17 Nov الثعابين … عيساوة المغرب …
“العيساوة ” طريقة صوفية مثل ” التيجانية ” و” القادرية ” وغيرهما ، لهم طقوس وموسيقى خاصة بهم ، ولئن كانت أصول موسيقى ” القناوة ” أفريقية وثنية فإن موسيقى ” العيساوة ” صوفية إسلامية ، مغربية المنشأ …
ظهرت العيساوة لأول مرة في مدينة مكناس المغربية، ومؤسسها الذي تنسب إليه هو الشيخ محمد الهادي بن عيسى الذي عاش في مدينة مكناس وتوفي سنة 1526 ميلادية بحسب روايات بعض المؤرخين، وعرف بين أتباعه على مدار القرون اللاحقة لوفاته بلقب ( الشيخ الكامل ) ، وقد عرف بأنه كان يدرب مريديه على تلاوة القرآن الكريم مع ترديد الكثير من المدائح الخاصة بالرسول صلى الله عليه وسلم التي انتشرت في عصره ، وقد تطورت تلك الأهازيج التي كانت تؤدى جماعياً على شكل حلقات إلى أن أصبحت لوناً فنياً قائماً بذاته ، وانتشرت في كل أنحاء الشمال الأفريقي ( المغرب – تونس – الجزائر – ليبيا ) ولئن كانت كلمات تلك الأغاني الجماعية دينية مدحية بالضرورة ، فإنها تعتمد على آلات موسيقية غاية في البساطة مثل البندير والطبلة والدف ، وكلها آلات إيقاعية وقد تعتمد في بعض الأحيان على آلات المزامير أو ما يشبه ذلك …
ليس هناك من شروط للإنضمام إلى فرق العيساوة سوى أن يكون المرء مسلماً طاهر السريرة ، لا يحمل حقدا ولا بغضاء ، وما هدف كل الفرق العيساوية سوى التربية الروحية لمريديها …
يرى البعض أن العيساوة مع مرور القرون قد تكون انحرفت عن الدين الصحيح والمنهج القويم ، لكن خلال السنوات الماضية بدأ الفكر الصوفي يعود بزخم بحثا عن خصوصية ثقافية محلية من اجل محاربة ما سمي بـ ( التطرف الديني ) ، ومن هنا عادت فرق العيساوة إلى الظهور وبقوة ، وأصبح لها مهرجانها الخاص الذي أصبح مغاربياً …
عرفت مدينة مكناس بموسم ” الهادي بن عيسى ” أو ” الشيخ الكامل ” ، إذ تأتي القبائل المجاورة لمكناس في شكل تجمعات ، وتفترش الضريح وتجعله مسكنا لها لعدة أيام ، وأمام شدة الازدحام لا يستطيع الزائر المرور وسط الضريح ، ويزداد الأمر إحراجاً التصاق النساء بالرجال أو حتى نومهم بجوار بعضهم البعض دون اكتراث بحرمة ذلك ، وفي الساحة حيث الضريح تنشط مجموعات الـ ” عيساوة ” و” لحمادشة ” أفواج الزائرين بعروض غريبة ، يؤكل فيها اللحم النيء والأرانب ، ويشرب الماء الحار المتبخر ، كما تقوم فرق ” حماد أوموسى ” بعروض رياضية بهلوانية جميلة .
حاول البعض تفسير وتبرير بعض تلك الأعمال بأنها نوع من استعراض القوة لأخافة الغزاة قديماً ، وأن من يأكلون اللحم نيئاً إنما يفعلون ذلك لمعالجة حالة “الجذبة” إذ يفقد المريد صوابه فينصح بأكل ما يجده أمامه حتى لو كان لحماً نيئاً .
مكناس ليست وحدها من يجعل الاحتفال بالمولد النبوي مرتبطا بزيارة الأضرحة والمكوث فيها ، فمدينة سلا بها الزاوية التيجانية قرب المسجد الكبير ، والرباط بها ضريح ” سد العربي السايح ” والزاوية التيجانية “ببقرون”.
ما يهمنا هنا هو موضوع الثعابين وكيف أن العيساوة يمسكون بالثعابين السامة كالكوبرا والأفاعي النفاثة ذات السموم القاتلة دون أن تؤذيهم ؟ هناك عدة علامات استفهام حول هذا الموضوع فبالنسبة لي وللكثيرين هذا أمر غير طبيعي وغير اعتيادي ، فأن تمسك بثعبان سام وتتحدث إليه وتعزم عليه ببعض أنواع القسم مثل قسم سيدي عبد الرحمن أو سيدي حرازم أو سيدي ….
ذلك أمر يدعوا للشك والتساؤل … هل يستخدم العيساوة ومن على طريقتهم بعض الأمور المخفية التي لا يعلمها غيرهم ؟ هل يستخدمون الجن ويسخرونهم لما يقومون به من أعمال غريبة تقام في مهرجاناتهم كتلك التي ذكرناها سابقاً ؟ لن نجيب على هذا السؤال هنا وأترك للجميع المجال للتفكير والتأمل ، ويكفيني أن رسول الله عليه وسلم استجار من الثعابين ومن شرورها وكذلك فعل الصحابة والتابعين ، ولم يظهر من يلعبون بالثعابين أو الحواة والمعزمين كما يطلق عليهم في اللغة العربية سوى في القرن الرابع الهجري …
ومن يرغب في مشاهدة العيساوة فإن أفضل مكان هو ساحة جامع الفنا بمراكش الحمراء بالمغرب ، سيجد فيها العديد من حلقات العيساوة وقد افترشوا الأرض بثعابينهم وأخذوا في عزف بعض المقطوعات الموسيقية ، والبعض منهم قد أمسك بثعبان الكوبرا وأخذ يحرك رأسه في نشوة غريبة ويخرج لسانه للكوبرا وهي تقف حائرة مثلك تماماً عندما ترى ما يفعلونه أمام عينيك …
كامل بدوي ـ ساحة الفنا – مراكش – المغرب
No Comments