KAMEL BADAWI | هل عدنا لعبادة الأصنام؟
4364
post-template-default,single,single-post,postid-4364,single-format-standard,ajax_fade,page_not_loaded,,side_area_uncovered_from_content,qode-theme-ver-10.0,wpb-js-composer js-comp-ver-4.12.1,vc_responsive

هل عدنا لعبادة الأصنام؟

هل عدنا لعبادة الأصنام؟

أن تكون من أبناء مكة المكرمة مهبط الوحي فأنت في نعمة الإرتباط بالحج والحجيج ، وأن تكون من خارجها فلابد أن فؤادك يهوى إليها مادمت حياً ، أما أنا فقد أنعم الله عز و وجل علي أن أكون من الفريق الأول جسدياً ، و من الفريق الثاني روحياً ، شاهداً في كل عام على الحج وعلى تلك التغييرات التي تطرأ عليه وعلى الحجيج ، تطور ملموس وظاهر ، فالحج شعيرة كتبت على الإنسان مرة في العمر ، يأتي إليها الناس من شتى بقاع الأرض متحملين من أجله عناء السفر والمشقة والتعب والسهر … ببساطة كانوا يتحملون كل شيء بكل ما تعنيه الكلمة ، كانت رحلة الحج تستغرق عدة شهور بحسب البلاد وموقعها من مهبط الوحي ، أما الآن فقد أنعم الله علينا بنعم كثيرة ، فالمواصلات وفيرة ومكيفات الهواء تنتشر في كل مكان لساكني الخيام ولمن في الشارع قد إفترش الحصيرة ، توفرت الأغذية والمشروبات التي تلقى إلقاء على الحجيج ، فأهل الخير كثر ، يتسابقون لنيل الأجر والمثوبة في تلك الأيام المباركة ، يشترون بعض المنتوجات أكانت فاكهة أم وجبات أو مشروبات ، ويوزعونها على ضيوف الرحمن بالمجان ، إلا أن التوزيع في معظم أحواله يتم بدون وعي أو تخطيط أو تنسيق ، والعاملون جل همهم الإنتهاء من توزيع ما معهم من تلك الأشياء طعاماً كانت أم شراباً حتى يذهبوا ليرتاحوا مما هم فيه ، بأي وسيلة كانت حتى لو رميت تلك الأغذية في المخلفات ، و ما أقصده هو أن هناك من الحجيج من يأخذون أكثر مما يحتاجون فيصبح مصير الزيادة إلى … ( في كل عام أشاهد العديد من الحجاج وهم يحملون أطعمة ومشروبات من الصدقات تكفيهم لشهر وأكثر ،  والحج ما هو إلا أيام معدودات ) ، ومن المؤسف أن نرى أثناء التوزيع تدافع وعراك ، شتائم وضرب وخناق ، رمي للأكل أو العصير ، دون احترام لما يلبسونه أو تقدير .

 أتذكر في طفولتي منظر الحجيج وهم واقفون على جبل عرفات يناجون ربهم ويتضرعون خوفاً وخشية ، لا يشغلهم شاغل ولا تلهيهم تجارة أو مشاغل ، كان مشعر عرفات بعد صلاة الظهر والعصر يعج بالأصوات ، تكبير ودعاء ، ندم وبكاء ، حتى أنني بالكاد أرى منطقة وقد خلت ممن يدعون أو من هم إلى ربهم متوجهون ، منظر غرس في نفوسنا إحساس لا يوصف وذكريات يصعب نسيانها ، لا يمر باص أو سيارة إلا وتسمع من راكبيها تكبيرات الحج … لبيك اللهم لبيك . لبيك لا شريك لك لبيك . إن الحمد والنعمة . لك والملك لا شريك لك …

أما الآن فلا أسف ولا أحزان ، وكأن ما سبق كان يا مكان قصة وإنتهت منذ قديم الزمان  ، تطلب من الحاج أن يلبي فينظر إليك شذراً ويرسم تلك الإبتسامة الساخرة التي تقول لك : وما شأنك أنت وما شأني ، هل ستعلمني الدين ، نعم لقد تغيرت الصورة وأصبح الحج شيء آخر بكل ما تعنيه الكلمة سواء في التصرفات والسلوك والعادات ولا تعميم.

، ما يحدث من العديد يحتاج لوقفة وتأمل ، البعض يرقص بملابس الإحرام وآخرون يتعدون على حدود الآخرين غير آبهين بتعاليم الدين ، ومنهم من يسرق الطعام ويقترف العديد من الآثام ، الأدهى من ذلك والأمر أن عصر الجاهلية قد عاد ، وأصبح لبعض الناس رب جديد (يعبد) مع الله ؟ نعم أعلم أن ما أقوله أمر عجيب يتنافى مع العقيدة والدين والعقل والمنطق ، وقد يعترض على ما أذكر كثيرين ، ولكن دعونا نرى ونستوضح الأمر ونتأكد من ذلك قبل توجيه أي لوم أو إنتقاد  …

 في السنوات الأخيرة من الحج شاهدت بعض الحجيج وهم (يعبدون) إله آخر مع الله وأنا أسميه إله لعدة أسباب ، فمن يتملكنا ونشغل به أنفسنا طوال الوقت ونضع فيه حواسنا وجل وقتنا حتى وقت عبادتنا هو إله ، وما نعيش معه أكثر مما نعيش مع أنفسنا هو إله ، ما نفكر فيه ونهتم به أكثر من أي شيء آخر هو إله ، من ننام ويكون هو آخر يومنا ونصحوا ويكون بداية يومنا هو إله ، من ننسى العباد من أجله هو إله ، ومن يشغلنا عن حياتنا هو إله ، ومن يبعدنا عن عبادة الله هو إله وليس ذلك فحسب فحتى عندما نصلي لا ننساه ، أنا أتحدث عن الهواتف المحمولة ، نعم هي في نظري وصلت إلى حد الآلهة ووصل حال بعضنا لحد عبادتها فعلياً فهي حياتهم وهي كل شيء ، لا شيء غيرها ولا شيء فوقها ولا قبلها أو بعدها ، ولعل قائل يقول : إنه إدمان وليس عبادة . أقول إن الإدمان نوع من العبادة حسب ما أرى وأعتقد .

أرى في الحج من يرتدون ملابس الإحرام وقد كلفوا أنفسهم المال والوقت والجهد ومشقة السفر والترحال ، أجدهم وقد جلسوا في يوم عرفات ذلك اليوم المهيب الذي يجعل من هول حكمته الشعر يشيب ، أراهم وهم ممسكون بتلك الأجهزة يتناقلون الأخبار والفيديوهات وما لذ وطاب كل بحسب مذهبه وطريقته ، فمن كان مذهبه المذهب الإنستجرامي تجده وقد أتقن فنونه وقوانينه وألتزم بكل ما سن وشرع فيه ، شعارهم الهاشتاق يحيمك من الضياع وفلو مي على :

 # أنا_أحج_شاهدني_وانظر_إلي .

أما من يتبعون عقيدة السناب شات فيرون أن العمل في غيره أمر لا يصح وقد يصل بالنسبة إلى مريديه إلى حد المحظورات ، وأن من لا يعمل به من عصور الظلام ، ولا بد أن تسجل كل شيء حتى وأنت في الحمام ، أما الجماعة الفيس بوكية التي ترى أن طريقتها من أفضل الطرق وأن فيه من الخير الشيء الكثير الذي لا يعيه غيرهم ، وأن من ينشر فيه سيحصل على لايكات بأعداد فلكية وكومنتات إضافة إلى عالم حافل من الصداقات التي تجلب السعادة والبركات ، أما أهل التويتر فهم الخاصة وهم النخبة وأهل المقام الرفيع وخصوصاً من كانت تغريداتهم تصل إلى الناس بشكل سريع ، أما حزب الواتس فقد أمتلك بما فيه قلوب عامة الناس ، أصبح دستورنا وفي حياتنا أساس ، طرق ومذاهب عديدة ومنوعة كلها تصب في شيء واحد ، الإبتعاد عن الواقع والعيش بدون وعي أو تفكير … لا أقول أنها ليست مهمة أو أنه يجب الغاؤها أو محاربتها أو وضعها ضمن قائمة الممنوعات ، وأن من الضروري سن بعض القوانين والإشتراطات … لا أقول ذلك ولا أدعيه فكلنا نحتاج إليها كما نعتقد وكما نظن وإن كان بعض الظن إثم …

لنرجع بالذاكرة قليلاً ونتذكر أننا الآن في ( يوم عرفات ) يوم يشبه يوم الحشر ويوم الحساب سيحاسبك فيه الله على دعائك وتضرعك وخشيتك ويقينك وليس على تغريداتك أو على السناب أقول أن ذلك المحمول او الجوال أو الخليوي أصبح إله لأننا أصبحنا منكفئين عليه ليل نهار ، في كل وقت وحين ، في أيام فطرنا أو ونحن صائمين ، نائمين ومستيقظين ، ينام في أحضاننا ، لا يفارقنا إلا نادراً ، عند الأكل وعند النوم وعند الخروج وعند كل شيء ، حتى في دورة المياه ، لا نستطيع الإمتناع عن النظر إليه وتحسسه دوماً والتأكد منه ومن جهوزيته لإستقبال ما لذ وطاب من كل شيء ، وبالطبع يختلف ذلك بحسب المرء وعلاقاته وتوجهاته ، والأمر لا يخلوا من دعابات وبعض الفيديوهات وتغريدة من التغريدات وبوست وكومنت أو لايكات وانستجرام وسنابات ، كله شغال واللي ما ينفع معانا ينفع مع غيرنا فنحن مختلفين في العادات والثقافات وللأسف حتى في العبادات  … لنتأمل قوله تعالى بسم الله الرحمن الرحيم ( إذ قال لأبيه وقومه ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون * قالوا وجدنا آباءنا لها عابدين * قال لقد كنتم أنتم وآباؤكم في ضلال مبين * قالوا أجئتنا بالحق أم أنت من اللاعبين * قال بل ربكم رب السماوات والأرض الذي فطرهن وأنا على ذلكم من الشاهدين ( صدق الله العظيم ، ألم نصل إلى هذه المرحلة ؟ الأ تشاهدون الناس وهم منكفئون على هذا الجهاز الذي أشغلنا وأعمى بصيرتنا وذهب بأبصارنا ؟

أنظر حولك في كل مكان وفي كل ركن من الأركان ، ولو كنت في الحج أو تستطيع رؤية الحجيج فتأملهم للحظة وتأمل حالهم وأحوالهم ( لا أجمع ولا أعمم فالتعميم أمر مرفوض ) … تأمل حالهم وحال علاقتهم بربهم فجل همهم سيلفي هنا وهناك وبالسيلفي يعتقدون أنهم سيحصلون على الحسنات ، كل همهم تصفح ما يصل إليهم عبر الواتس سواء أكانت مشاهد أو أخبار أو أحداث ، الكل مشغول بالتلفون يستقبل ويرسل ، تأمل حال بعض الحجيج وهم يدعون الله رب العالمين ستجد أن البعض منهم يرفعون أيديهم بالدعاء وذلك الجهاز بين أيديهم ، هل وصلنا لهذه الدرجة أننا أصبحنا لا نستطيع الاستغناء عن هذا الجهاز (اللعين) حتى ونحن في صلتنا بربنا رب العالمين ، هل أصبح التلفون أهم من كل شيء ؟ نقرأ القرآن فيرن الهاتف نترك القرآن لنرد ثم نكمل عادي ، عندما نطوف بالكعبة المشرفة يرن الهاتف فنرد ونحن نطوف عادي جداً ، وفي عرفات وعند رمي الجمرات … في كل وقت وحين ، وفي كل عبادة من العبادات وعادي ، أجزم أيها القارىء أنك لن تجد جهة من الجهات في أي فريضة أو عبادة من العبادات وقد خلت من الهواتف المحمولة … مأساة نعيشها والأمر عادي بالنسبة لهؤلاء وبالنسبة لنا ، هكذا أصبحنا وهكذا أمسى حالنا ، لقد أدينا الفريضة وإنتهى الأمر أما : ماذا؟ ولماذا؟ وكيف ؟ وماذا لو؟ بحسب نظرية (4Matt) فهذه ليست في البال ولا داعي للإنشغال بها على أي حال من الأحوال ، أعلم أنني لست أنا من سيحاسب هؤلاء الناس فالله هوالرحمن الرحيم وهو المطلع على مافي القلوب ، ولكن أنا أطرح الموضوع لأنني لا أفهم مالذي أصابنا ولماذا وصل بنا الأمر إلى هذا الحد من عدم الإهتمام بأي شيء إلا بالتلفون وبما فيه من مذاهب ومعتقدات وطرائق ، وإن كنا نفعل ذلك الأمر في علاقتنا بربنا المعبود وفي أيام مباركة كأيام الحج فما حالنا في الأيام الأخرى في رمضان وفي كل يوم وكل مكان وزمان ، حتى مع أنفسنا وكل من حولنا ؟ هذه دعوة للجميع للوقوف وتوجيه أنفسنا وتوجيه من لا يعلم ، مجرد ساعات قليلة فيها من الرحمة ما فيها يجدر بنا الإستفادة منها قدر الإمكان ، وتوجيه الناس لترك الجوالات أو المحمول والدعاء بالستر والتوفيق ونيل المأمول ليس فقط في يوم عرفات وإنما دوماً وأبداً وفي كل الأوقات ، هنا أدعوا لمبادرة أتمنى أن تعم وتشيع في كل البلاد وفي كل وطن من الأوطان في كل زمان ومكان ، هذه الحملة شعارها (دع التلفونات وتفرغ للعبادات) لنترك الجوال أوالمحمول لدقائق فقط دون أن نفكر فيه مطلقاً ونخفيه من أمام أعيننا نحن ومن معنا لنعود للمشاعر والعلاقات مع أنفسنا ومن حولنا ومع رب العباد ، ولنستغل تلك الأوقات بكل ما نملك من طاقات روحانية ويقين ولنبقى عن وسائل التفاصل الإجتماعي بعيدين ، نسأل الله أن ينير طريقنا وأن يهدينا لما فيه صلاحنا وصلاح أحوالنا وأحوال أمتنا وأن تكون عبادتنا خالصة لوجهه الكريم … آمين

1Comment
  • خالد زغلول
    Posted at 05:57h, 22 September Reply

    اعتقد ان الموضوع بحاجة الى توسع اكثر من الكاتب جزاه الله كل خير فهذة الاله الالكترونية اصبحت دمار شامل لكل الناس مع احتياجتنا لها وانها تلبي التواصل مع اي طرف للعمل وكذلك للاطمئنان عن بعض ولكنها تلهي عن العمل وكذلك تتسبب باكثر الحوادث المرورية و كثير من الأمور

Post A Reply to خالد زغلول Cancel Reply

Loading...