17 May علاقتي بالثعابين …
سألنى عشرات المئات ممن قابلت خلال مسيرتي التي تجاوزت أكثر من ثلاثين عاماً مع الثعابين ، سألني الكثيرون العديد من الأسئلة المختلفة ، ولكن كانت بعض الأسئلة تتردد من الجميع دون استثناء ، من هذه الأسئلة :
ـ كيف بدأت علاقتك بالثعابين ؟
ـ لماذا الثعابين تحديداً ؟
ـ ما الهدف من التعرف على هذه الحيوانات ؟
ولمن كان مهتماً بموضوع كهذا سأجيب على هذه التساؤلات بشىء من التفصيل ، في البداية كانت علاقتى بالثعابين علاقة جيرة في المسكن ، فلا نتعرض لها ، ولا تتعرض لنا ، فقد كانت تعيش معنا في بيوت مكة المكرمة القديمة المبنية من الحجر والمسقوفة بالخشب ، أذكر اننا كنا نراها في السقف ثم تسقط بالقرب منا ، وتمضى دون أن يؤذيها أحد ، فقد كانت ثقافتنا تعتمد على أنها من عمار المنزل ( جن على هيئة ثعابين يعيشون داخل المنزل ) اعتماداً على ما هو مذكور في السنة النبوية الشريفة ، بعد ذلك انتقلنا الى العيش في بيئة جبلية ، وكنت أرى الثعابين بكثرة هنا وهناك ، وهي مختلفة في أشكالها وأحجامها وسلوكياتها عما سبق أن رأيته ، في البداية كنت أقتلها .
ذات مرة قتلت ثعباناً ، وقررت الاحتفاظ به لفحص ما بداخله ، وفي ذلك اليوم أذكر أنني كنت عائداً إلى المنزل وحال فتحى للباب إذا بثعبان يقفز من فوق الباب ليلتف حول عنقي ، ما كان منى إلا أن رميته على الأرض ووليت الأدبار هارباً إلى والدي ، وأبلغته بما حصل وما أصابني من خوف وفزع ، فأخبرني أن ذلك وليف الثعبان الذي قتلت ، قد جاء لينتقم مني ( الوليف هو زوج الثعبان ) ، يومها أقسمت أن أبحث عنها وأحاول اصطيادها ، وكأن خوفي هو ما حفزني على فعل ذلك ، وبدأت اصطادها وأربيها وأطعمها وأسقيها ، كان عمرى آنذاك قرابة 10 سنوات عندما تعاملت مع أول ثعبان في حياتي .
وطوال سنوات كنت أصطاد الثعابين ، وأبحث عنها في كل مكان ، أحاول اصطياد ما استطيع منها ، أضعها في أحواض ، وأراقبها ، وخلال تلك السنوات الطوال وصلت إلى نتيجة مفادها أنني أحببت تلك المخلوقات ، وبت أعشقها ، فوجدت فيها أشياء غريبة وعجيبة لم أجدها في غيرها من الحيوانات لعلي أذكر منها ما يلي :
· للبعض منها مع صغر حجمه سم قاتل ، وعلى النقيض من ذلك مع كبر حجم بعضها تجدها وديعة كالحمل .
· جميع الألوان التى رأيناها أو قد نتخيلها موجودة في الثعابين .
· جسم الثعبان كله عبارة عن معدة .
· الثعبان يستطيع أن يأكل فريسة تكبره حجماً خمسة أو ستة أضعاف .
· الثعبان قد يصبر لسنة أو أكثر دون أن يأكل .
· أول جهاز انذار وضع في الثعابين ( الأفعى المجلجلة ) .
· أول رادار حرارى وضع فى الثعابين .
· توجد على جلودها أشكال ونقوش لا حصر لها .
· سمومها تستخدم كعلاج .
· جلودها تستخدم في الصناعات الجلدية .
· لها هيبة خاصة ، فالكل يخافها إنسان كان أو حيوان .
· ليس لها أيدي أو أرجل ، ومع ذلك فهي ماهرة في الاصطياد والتسلق والسباحة .
أما الفائدة المرجوة من التعرف عليها ومراقبة سلوكها وطباعها ، فإنني مؤمن بمقولة : أن من عرف لغة قوم أمن مكرهم ، فكيف نتعامل مع مخلوقات لا نعرف عنها سوى خوفنا منها ، كيف نتعامل معها ونحن معرضون لها أحياناً ، فقد تظهر لنا في البيوت أو أماكن العمل أو في المزارع أو حتى داخل السيارات .
من المواقف الطريفة التي أذكرها أن إدارة عمليات الدفاع المدني بمكة المكرمة طلبت مني الإنتقال لمعاينة حالة ظهور ثعبان داخل سيارة في أحد أحياء مكة ، فتوجهت على الفور إلى الموقع فوجدت صاحب السيارة في حالة لا يحسد عليها من الخوف والجزع ، تعاملت مع الحالة ، وأخرجت الثعبان من السيارة وانهيت الوضع تماماً ، لكنني فوجئت بردة فعل صاحب السيارة حيث أنه قرر بيعها على الفور وهي في مكانها حيث أخذ يسأل عمن يريد شراءها ولم يقترب منها نهائياً مع محاولتى إقناعه بأن ذلك أمر عادي ويحدث هنا وهناك … ألهذا الحد وصل بنا الخوف وفقدان السيطرة على أنفسنا لمجرد ظهور ثعبان قد يكون غير سام في الغالب ؟
كيف يمكن للطبيب معالجة لدغة ثعبان وهو لا يعرف أي معلومات عنه ؟ كيف يمكن الاستفادة من الثعابين ومن سمومها لو ابتعدنا عنها ؟ هذه أمثلة بسيطة توضح حاجتنا لدراسة الثعابين وغيرها من الحيوانات لعل ذلك فيه وقاية من شرور تلك الحيوانات .
No Comments